الأدب و الأدباءالثقافةحصرى لــ"العالم الحر"

أبد الصبار ” أحمد زكريا الأمير “

طيبون عاديون يسخرون من الحياة كما يسخرون من الموت

احجز مساحتك الاعلانية

صادفت حكيما ذات مرة و دون قصد سألته عن أسرع الأشياء قتلا فى هذا العالم .. لم يجبنى على السؤال كما أردت و لكنه تبسم قائلا كن صبورا .. فقلت لم أفهم الذى تعنيه تبسم ثانية و قال كن متجددا كى لا تموت .. لن أكذبك ندمت على سؤالى له و أردت الخلاص من الموقف فقلت له حسنا و هممت بالإنصراف لكنه إستوقفنى .. أيوب بلى الزمان فهلك و أهلكه .. قلت يا شيخ ما لى و أيوب ؟ .. قال كن صبورا كالوقت يطوى ظله مسرعا كأنه لن يعود و يعود كل يوم من جديد .. و تذكر أن ماء الدمع يتبخر الى السماء لكنه لا يعود مع المطر إلى الأرض و إلا فبأى ما ستغسل الذنوب .. فى الحقيقة قررت ألا أسأل حكيما بعد ذلك اليوم و حين مر الوقت و بدأت أفهم بعض الشئ طباعه أدركت أن الوقت مثلى لا يحب الإنتظار أكثر من لحظة واحدة و يمضى دون أن يعرف هل سيأتى من إنتظر أم لا .. يمضى ككل شئ فى هذا العالم يمضى و لا ينتظر فأى حكمة هذه فى الإنتظار السخيف غير ضياع الوقت الذى لا ينتظر و قررت ألا أنتظر و لكنى تأخرت فى إتخاذ القرار و قلت أنتظر عسى شئ ما يحدث فلا يفوتنى و بعدها سأمضى هادئا الى اللاوقت و أنتظر …
ما الذى نجهله الى تلك اللحظة فينا دعنا نراجع بعض الأمور علنا ان ندرك المجهول فينا بشكل حقيقى لا أقصد ذلك اللحم و الشبكة العصبية و العظم و أعضاء الجسد .. فى ذلك الجسد شئ ما نجهله الى اليوم و من شدة جهلنا نقتله و لا ندرك أن ذلك الدم المسفوح هو دمنا
***

طيبون عاديون يسخرون من الحياة كما يسخرون من الموت باسمين دامعين لا يحبون الوقت فهو قاتلهم يعرفونه و يتشائمون من ذكره و لا يتشائمون من موتهم فالموتى هادئون و طيبون .. كيف قتلتنا أيها الوقت دون أن ندرك سوء قتلتك المحرمة المجرمة .. كيف بدت أيامهم متشابهة و فرقتهم الأيام حتى صاروا وحيدين ؟ .. إنفلتت من بين أيديهم أيامهم و أحلامهم و مضوا مسرعين إلى هناك .. تمهل أيها الوقت .. لا تصنع بنا ما تصنعه بنفسك إمضى كما تشاء و إستبقنا قليلا لا زال فينا بعض أنفاس للضحك و كفاك مباغتة فإمضى و إستبقنا قليلا فقط كى نعد أنفسنا للمجهول و إمضى كما تشاء و دعنا كما نشاء .. هذا بعض ما تبقى من نقش على قبورهم .. فمتى سنعود إلى عذابنا الجميل …
يجاورون البحر و يتبعون صفاته ملحه ملحهم و لا جديد فى الصفات أمواجه متتابعة كما هم يتتابعون .. لا جديد فى الصفات .. جيناتهم عائدة للجدود من بعيد كالنوارس تصدح كى تعيش و تصدح كى تموت و لا يلتفت أحد غير شعرائهم و حين يعرفون الحقيقة يموتوا قبل أن يخبرونا ما الحقيقة ؟ .. يحبون الحياة رغم أواجاعها التى تقتلهم و يموتوا مؤمنين أنهم عائدون .. و حين يرجع منهم أحد من الموت يسألونه ماذا رأيت و حين يجيبهم لا شئ يكذبونه و يؤمنون أكثر أن بعد الحياة حياة كالحياة التى عرفوها ..لا يحملون للحياة هما غير أن زجاج البيت مصدع فى الجانب و فى المنتصف و لم يصلح و لم يبدل منذ عشرون عاما و لا جديد .. الحب! .. ما الحب ؟
هو أن يحب رجلا إمرأة و تتزوج غيره و يتزوج غيرها و يموت كل شئ لأن أمها تحب أن يكون لإبنتها منضدة كبيرة للطعام بثمان كراسى و طبق من الفاكهة البلاستيكية فى المنتصف .. اللعنة على الإنسان كيف دمر كل شئ من حوله حين دمر ذاته خوفا من الموت و يموت …
أتعرف ما الحياة ؟ .. هى قطار متسارع على متنه طفل يشاهد من الشباك مشاهد متناثرة للمرة الأولى بداية من طيور الى قبور فى محطات عديدة و سيفاجأ مرة أن محطته الأخيرة قد حضرت دون أن يدرك بشكل كامل ما شاهده و إنتهت الأمور فى هذا السبيل …

 

احمد فتحي رزق

المشرف العام

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى